سورة الانشقاق - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الانشقاق)


        


قوله تعالى: {إذا السماء انشقت} قال المفسرون: انشقاقها من علامات الساعة. وقد ذكر ذلك في مواضع من القرآن. [الفرقان: 225، الرحمن: 37، الحاقة: 16] {وأَذِنَتْ لربها} أي: استمعت وأطاعت في الانشقاق، من الأذن، وهو الاستماع للشيء والإصغاء إليه، وأنشدوا:
صُمٌّ إذا سَمِعُوا خيراً ذُكِرْتُ بِهِ *** فَإنْ ذُكِرْتُ بِسُوءٍ عِنْدَهُم أَذِنُوا
{وحُقَّتْ} أي: حقَّ لها أن تُطيع ربَّها الذي خلقها {وإذا الأرض مُدَّتْ} قال ابن عباس: تُمَدُّ مَدَّ الأديم، ويزاد في سَعَتها، وقال مقاتل: لا يبقى جبل ولا بناءٌ إلا دخل فيها.
قوله تعالى: {وأَلْقَتْ ما فيها من الموتى} والكنوز {وتخلَّتْ} أي: خلت من ذلك، فلم يبق في باطنها شيء. واختلفوا في جواب هذه الأشياء المذكورات على أربعة أقوال.
أحدها: أنه متروك، لأن المعنى معروف قد تردَّد في القرآن.
والثاني: أنه {يا أيها الإنسان} كقول القائل، إذا كان كذا وكذا في أيها الناس تَرَوْن ما عملتم، فيجعل: {يا أيها الإنسان} هو الجواب، وتضمر فيه الفاء، كأن المعنى: يرى الثواب والعقاب إذا السماء انشقت، وذكر القولين الفراء.
والثالث: أن في الكلام تقديماً وتأخيراً، تقديره يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه إذا السماء انشقت قاله المبرد.
والرابع: أن الجواب مدلول عليه بقوله تعالى {فملاقيه}. فالمعنى: إذا كان يوم القيامة لقي الإنسان عمله، قاله الزجاج.
قوله تعالى: {إنك كادح إلى ربك كدحاً} فيه قولان:
أحدهما: إنك عامل لربك عملاً، قاله ابن عباس.
والثاني: ساعٍ إلى ربك سَعْياً، قاله مقاتل. قال الزجاج: والكدح في اللغة: السعي، والدأب في العمل في باب الدنيا والآخرة. قال تميم بن مقبل:
وَمَا الدَّهْرُ إلاَّ تَارَتَانِ فمِنْهما *** أَمُوت وأُخرى أَبْتَغي العَيْشَ أَكْدَحُ
وفي قوله تعالى {إلى ربك} قولان:
أحدهما: عامل لربك، وقد ذكرناه عن ابن عباس.
والثاني: إلى لقاء ربك، قاله ابن قتيبة. وفي قوله تعالى: {فملاقيه} قولان:
أحدهما: فملاقٍ عَمَلَكَ.
والثاني: فملاقٍ ربَّك، كما ذكرهما الزجاج.
قوله تعالى: {فسوف يحاسَب حساباً يسيراً} وهو أن تعرض عليه سيئاته، ثم يغفرها الله له. وفي الصحيحين من حديث عائشة، قالت: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: من نوقش الحساب هلك، فقلت: يا رسول الله، فإن الله يقول: {فسوف يحاسب حساباً يسيراً} قال: «ذلك العرض». قوله تعالى: {وينقلب إلى أهله} يعني: في الجنة من الحور العين والآدميات {مسروراً} بما أُوتي من الكرامة {وأما من أُوتي كتابه وراء ظهره} قال المفسرون: تُغَلُّ يده اليمنى إلى عنقه، وتجعل يده اليسرى وراء ظهره {فسوف يدعو ثبوراً} قال الزجاج: يقول: يا ويلاه، يا ثبوراه، وهذا يقوله كلُّ من وقع في هلكة.
قوله تعالى: {ويصلى سعيراً} قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، والكسائي، {ويُصُلَّى} بضم الياء، وتشديد اللام. وقرأ عاصم، وأبو عمرو، وحمزة {ويصلى} بفتح الياء خفيفة، إلا أن حمزة والكسائي يميلانها. وقد شرحناه في سورة [النساء: 11].
قوله تعالى: {إنه كان في أهله} يعني في الدنيا {مسروراً} باتباع هواه، وركوب شهواته. {إنه ظن أن لن يحور} أي: لن يرجع إلى الآخرة، ولن يبعث وهذه صفة الكافر. قال اللغويون: الحور في اللغة: الرجوع، وأنشدوا للبيد:
وَمَا المرْء إِلا كالشِّهَابِ وَضَوْئِهِ *** يَحُورُ رَمَاداً بَعْدَ إذْ هُوَ سَاطِعُ


قوله تعالى: {بلى} قال الفراء: المعنى: بلى ليحورون، ثم استأنف، فقال تعالى: {إن ربه كان به بصيراً} قال المفسرون: بصيراً به على جميع أحواله.
قوله تعالى: {فلا أقسم} قد سبق بيانه.
فأما الشفق فقال ابن قتيبة: هما شفقان: الأحمر، والأبيض، فالأحمر: من لدن غروب الشمس إلى وقت صلاة العشاء ثم يغيب، ويبقى الشفق الأبيض إلى نصف الليل.
وللمفسرين في المراد بالشفق هاهنا ستة أقوال.
أحدها: الحمرة التي تبقى في الأفق بعد غروب الشمس. وقد روى ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: الشفق: الحمرة، وهذا قول عمر، وابنه، وابن مسعود، وعبادة، وأبي قتادة، وجابر بن عبد الله، وابن عباس، وأبي هريرة، وأنس، وابن المسيب، وابن جبير، وطاووس، ومكحول، ومالك، والأوزاعي، وأبي يوسف، والشافعي، وأبي عبيد، وأحمد، وإسحاق، وابن قتيبة، والزجاج. قال الفراء: سمعت بعض العرب يقول وعليه ثوب مصبوغ: كأنه الشفق، وكان أحمر.
والثاني: أنه النهار.
والثالث: الشمس، روي القولان عن مجاهد.
والرابع: ما بقي من النهار، قاله عكرمة.
والخامس: السواد الذي يكون بعد ذهاب البياض، قاله أبو جعفر محمد ابن علي.
والسادس: أنه البياض، قاله عمر بن عبد العزيز.
قوله تعالى: {والليل وما وسق} أي: وما جمع وضم. وأنشدوا:
إنَّ لنا قَلائصَاً حَقَائِقا *** مُسْتَوْسِقَاتٍ لو يَجِدْنَ سَائِقَا
قال أبو عبيدة: {وَمَا وَسَقَ} ما علا فلم يمنع منه شيء، فإذا جلل الليل الجبال، والأشجار، والبحار، والأرض، فاجتمعت له، فقد وسقها. وقال بعضهم: معنى: {ما وسق}: ما جمع مما كان منتشراً بالنهار في تصرفه إلى مأواه.
قوله تعالى: {والقمر إذا اتسق} قال الفراء: اتساقه: اجتماعه واستواؤه ليلة ثلاث عشرة، وأربع عشرة، إلى ست عشرة.
قوله تعالى: {لتركبنَّ طبقاً عن طبق} قرأ ابن كثير، وحمزة، والكسائي {لتركبن} بفتح التاء والباء، وفي معناه قولان:
أحدهما: أنه خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم في معناه قولان:
أحدهما: لتركبنَّ سماءً بعد سماءٍ، قاله ابن مسعود، والشعبي، ومجاهد.
والثاني: لتركبن حالاً بعد حال، قاله ابن عباس، وقال: هو نبيُّكم.
والقول الثاني: أن الإشارة إلى السماء. والمعنى: أنها تتغير ضروباً من التغيير، فتارة كالمُهْل، وتارةً كالدِّهان، روي عن ابن مسعود أيضاً.
وقرأ عاصم، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر {لتركبنَّ} بفتح التاء، وضم الباء، وهو خطاب لسائر الناس. ومعناه. لتركبنَّ حالاً بعد حال. وقرأ ابن مسعود، وأبو الجوزاء، وأبو الأشهب، {ليركبَنّ} بالياء، ونصب الباء. وقرأ أبو المتوكل، وأبو عمران، وابن يعمر {ليركبُنَّ} بالياء، وضم الباء. و{عن} بمعنى: بعد. وهذا قول عامة المفسرين واللغوين، وأنشدوا للأقرع بن حابس.
إنّي امْرُؤٌ قد حَلَبْتُ الدَّهْرَ أَشْطَرَهُ *** وَسَاقَنِي طَبَقٌ منه إلى طَبَقِ
ثم في معنى الكلام خمسة أقوال.
أحدها: أنه الشدائد، والأهوال، ثم الموت، ثم البعث، ثم العرض، قاله ابن عباس.
والثاني: أنه الرخاء بعد الشدة، والشدة بعد الرخاء، والغنى بعد الفقر، والفقر بعد الغنى، والصحة بعد السقم، والسقم بعد الصحة، قاله الحسن.
والثالث: أنه كون الإنسان رضيعاً ثم فطيماً ثم غلاماً شاباً ثم شيخاً، قاله عكرمة.
والرابع: أنه تغير حال الإنسان في الآخرة بعد الدنيا، فيرتفع من كان وضيعاً، ويتضع من كان مرتفعاً، وهذا مذهب سعيد بن جبير.
والخامس: أنه ركوب سنن من كان قبلهم من الأولين، قاله أبو عبيدة. وكان بعض الحكماء يقول: من كان اليوم على حالة، وغداً على حالة أخرى، فليعلم أن تدبيره إلى سواه.
قوله تعالى: {فما لهم} يعني: كفار مكة {لا يؤمنون} أي: لا يؤمنون بمحمد والقرآن، وهو استفهام إنكار {وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون} فيه قولان:
أحدهما: لا يصلُّون، قاله عطاء، وابن السائب.
والثاني: لا يخضعون له، ويستكينون، قاله ابن جرير، واختاره القاضي أبو يعلى. قال: وقد احتج بها قوم على وجوب سجود التلاوة، وليس فيها دلالة على ذلك، وإنما المعنى: لا يخشعون، ألا ترى أنه أضاف السجود إلى جميع القرآن، والسجود يختص بمواضع منه.
قوله تعالى: {بل الذين كفروا يكذِّبون} بالقرآن، والبعث، والجزاء {والله أعلم بما يوعون} في صدورهم ويضمرون في قلوبهم من التكذيب. قال ابن قتيبة: {يوعون}: يجمعون في قلوبهم. وقال الزجاج: يقال: أوعيت المتاع في الوعاء، ووعيت العلم.
قوله تعالى: {فبشرهم بعذاب أليم} أي أخبرهم بذلك. وقال الزجاج: اجعل للكفار بدل البشارة للمؤمنين بالجنة والرحمة، العذابَ الأليم. والممنون عند أهل اللغة: المقطوع.